سورة التوبة - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)}
أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي بكرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً: منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو العقدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».
وأخرج البزار وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، ورجب مضر بين جمادى وشعبان».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال: «أيها الناس إن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم».
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات رجب مضر حرام، إلا وإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا».
وأخرج أحمد والباوردي وابن مردويه عن أبي حمزة الرقاشي عن عمه- وكانت له صحبة- قال: كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود الناس عنه فقال: «يا أيها الناس، هل تدرون في أي شهر أنتم، وفي أي يوم أنتم، وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تتظالموا ألا لا تتظالموا، إنه لا يحل مال امرىء إلا بطيب نفس منه، ألا أن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتله هذيل، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، ألا وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض، منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، إلا إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه في التحريش بينهم، واتقوا الله في النساء فانهن عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإن لهن عليكم حقاً ولكم عليهن حقاً أن لا يوطئن فرشكم أحداً غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وبسط يديه. وقال: اللهمَّ قد بلغت ألا هل بلغت، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رُبَّ مبلغ أسعد من سامع».
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {منها أربعة حرم} قال: المحرَّم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه قال: إنما سُمِّينَ حُرُماً لئلا يكون فيهن حرب.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {ذلك الدين القيم} قال: القضاء القيم.
وأخرج أبو داود والبيهقي في شعب الإِيمان «عن محببة الباهلي عن أبيه أو عمه. أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم، ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله وما تعرفني؟! قال: ومن أنت؟! قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال: فما غيَّرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلت طعاماً منذ فارقتك إلا قليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عذبت نفسك؟ ثم قال: صم شهر الصبر ويوماً من كل شهر. قال: زدني فإن لي قوة. قال: صم يومين. قال: زدني. قال: صم ثلاثة أيام. قال: زدني. قال: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة سنتين».
وأخرج مسلم وأبو داود عن عثمان بن حكيم رضي الله عنه قال: سألت سعيد بن جبير رضي الله عنه عن صيام رجب؟ فقال: اخبرني ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم».
وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوماً من رجب كان كصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله عز وجل شيئاً الا أعطاه، ومن صام خمسة عشر يوماً نادى مناد من السماء قد غفرت لك ما سلف فاستأنف العمل قد بدلت سيئاتكم حسنات، من زاد زاده الله. وفي رجب حمل نوح عليه السلام في السفينة فصام نوح عليه السلام وأمر من معه أن يصوموا، وجرت بهم السفينة ستة أشهر إلى آخر ذلك لعشر خلون من المحرم».
وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: «في الجنة قصر لصوام رجب» قال البيهقي: موقوف على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي.
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان».
وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجب شهر الله ويدعى الأصم، وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها، فكان الناس ينامون ويأمن السبيل ولا يخافون بعضهم بعضاً حتى ينقضي».
وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال: كن نسمي رجب الأصم في الجاهلية من شدة حرمته في أنفسنا.
أوخرج البخاري والبيهقي عن أبي رجاء العطاردي رضي الله عنه قال: كنا في الجاهلية إذا دخل رجب نقول: جاء منصل الأسِنَّة، لا ندع حديدة في سهم ولا حديدة في رمح إلا انتزعناها فألقيناها.
وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال: كنا نسمي رجب الأصم في الجاهلية من شدة حرمته.
وأخرج البيهقي وضعفه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان كمن صام من الدهر مائة سنة وقام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب وفيه بعث الله محمداً».
وأخرج البيهقي وضعفه عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: في رجب ليلة يكتب للعامل فيها حسنة مائة سنة وذلك لثلاث بقين من رجب، فمن صلى فيها اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن يتشهد في كل ركعتين ويسلم في آخرهن ثم يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة، ويستغفر الله مائة مرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة، ويدعو لنفسه ما شاء من أمر دنياه وآخرته ويصبح صائماً، فإن الله يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في المعصية.
قال البيهقي: هذا أضعف من الذي قبله.
وأخرج البيهقي وقال: إنه منكن بمرة عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً حيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله، من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله، ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري، ومن عظم أمري كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه، وصام نهاره، وقام ليله، وحفظ جوارحه، خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي وضعفه عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم رجب كله».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله} قال: يقرب بها شر النسىء ما نقص من السنة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله} ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرماً وعظم حرماتهم، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم، {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: في كلهن {وقاتلوا المشركين كافة} يقول: جميعاً.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواه، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً ولكن الله يعظم من أمره ما شاء، وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله فإنما تعظم الأمور لما عظمها الله تعالى به عند أهل الفهم والعقل.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: في الشهور كلها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: الظلم العمل لمعاصي الله والترك لطاعته.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله: {وقاتلوا المشركين كافة} قال: نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن كعب قال: اختار الله البلدان، فأحب البلدان إلى الله البلد الحرام، واختار الله الزمان، فاحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم، واحب الأشهر إلى الله ذو الحجة، وأحب ذو الحجة إلى الله العشر الأول منه، واختار الله الأيام، فأحب الأيام إلى الله يوم الجمعة، وأحب الليالي إلى الله ليلة القدر، واختار الله ساعات الليل والنهار، فأحب الساعات إلى الله ساعات الصلوات المكتوبات، واختار الله الكلام، فأحب الكلام إلى الله لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله.


{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)}
أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت العرب يحلون عاماً شهراً وعاماً شهرين، ولا يصيبون الحج إلا في كل ستة وعشرين سنة مرة، وهو النسىء الذي ذكر الله تعالى في كتابه، فلما كان عام الحج الأكبر ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال: «وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة فقال: إن النسىء من الشيطان {زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً} فكانوا يحرمون المحرم عاماً ويحرمون صفراً عاماً، ويستحلون المحرم وهو النسيء».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان جنادة بن عوف الكناني يوفي الموسم كل عام، وكان يكنى أبا ثمادة فينادي: ألا أن أبا ثمادة لا يخاف ولا يعاب، ألا إن صفر الأول حلال، وكان طوائف من العرب إذا أرادوا أن يغيروا على بعض عدوهم أتوه فقالوا: أحل لنا هذا الشهر- يعنون صفر- وكانت العرب لا تقاتل في الأشهر الحرم فيحله لهم عاماً ويحرمه عليهم في العام الآخر، ويحرم المحرم في قابل {ليواطئوا عدة ما حرم الله} يقول: ليجعلوا الحرم أربعة غير أنهم جعلوا صفراً عاماً حلالاً وعاماً حراماً.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت النساة حياً من بني مالك من كنانة من بني تميم، فكان أخراهم رجلاً يقال له القلمس وهو الذي أنسأ المحرم، وكان ملكاً، كان يحل عاماً ويحرمه عاماً، فإذا حرمه كانت ثلاثة أشهر متوالية، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهي العدة التي حرم الله في عهد إبراهيم عليه السلام، فإذا أحله دخل مكانه صفر في المحرم ليواطىء العدة يقول: قد أكملت الأربعة كما كانت لأني لم أحل شهراً إلا وقد حرمت مكانه شهراً، فكانت على ذلك العرب من يدين للقلمس بملكه حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فأكمل الحرم ثلاثة أشهر متوالية ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي وائل رضي الله عنه في قوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال: نزلت في رجل من بني كنانة يقال له نسيّ، كان يجعل المحرم صفراً ليستحل فيه المغانم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل رضي الله عنه قال: كان الناسي رجلاً من كنانة ذا رأي يأخذون من رأيه رأساً فيهم، فكان عاماً يجعل المحرم صفراً فيغيرون فيه ويستحلونه فيصيبون فيغنمون، وكان عاماً يحرمه.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر} الآية. قال: عمد أناس من أهل الضلالة فزادوا صفر في أشهر الحرم، وكان يقوم قائلهم في الموسم فيقول: إن آلهتكم قد حرمت صفر فيحرمونه ذلك العام، وكان يقال لهما الصفران، وكان أول من نسأ النسىء بنو مالك من كنانة، وكانوا ثلاثة، أبو ثمامة صفوان بن أمية، أحد بني تميم بن الحرث، ثم أحد بني كنانة.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال: فرض الله الحج في ذي الحجة، وكان المشركون يسمون الأشهر ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة ثم يحجون فيه ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر، صفر، ثم يسمون رجب جمادى الآخر، ثم يسمون شعبان رمضان، ورمضان شوال، ويسمون ذا القعدة شوال، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرم ذا الحجة، ثم يحجون فيه واسمه عندهم ذو الحجة، ثم عادوا مثل هذه القصة فكانوا يحجون في كل شهر عاماً حتى وافق حجة أبي بكر رضي الله عنه الآخرة من العام في ذي القعدة، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم حجته التي حج فيها فوافق ذو الحجة، فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض».
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال: كان رجل من بني كنانة يقال له جنادة بن عوف يكنى أبا امامة ينسىء الشهور، وكانت العرب يشتد عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغير بعضهم على بعض، فإذا أراد أن يغير على أحد قام يوماً بمنى فخطب فقال: إني قد أحللت المحرم وحرمت صفر مكانه فيقاتل الناس في المحرم، فإذا كان صفر عمدوا ووضعوا الأسنَّة ثم يقوم في قابل فيقول: إني قد أحللت صفر وحرمت المحرم فيواطئوا أربعة أشهر فيحلوا المحرم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً} قال: هو صفر، كانت هوازن وغطفان يحلونه سنة ويحرمونه سنة.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)}
أخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا...} الآية. قال: هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح، وحنين أمرهم بالنفير في الصيف حين خرقت الأرض فطابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج، فأنزل الله سبحانه وتعالى {انفروا خفافاً وثقالاً} [ التوبة: 41].
قوله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}
وأخرج الحاكم وصححه عن المستور رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فتذاكروا الدنيا والآخرة فقال بعضهم: إنما الدنيا بلاغ للآخرة، فيها العمل وفيها الصلاة وفيها الزكاة، وقالت طائفة منهم: الآخرة فيها الجنة. وقالوا ما شاء الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليم فأدخل أصبعه فيه فما خرج منه فهي الدنيا».
وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن المستور بن شداد رضي الله عنه قال: كنت في ركب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر بسخلة ميتة فقال «أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله قال: فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل الدنيا قليلاً وما بقي منها إلا القليل، كالثعلب في الغدير شرب صفوه وبقي كدره».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل عمر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا رسول الله لو اتخذت فرشاً أوثر من هذا؟ فقال: «ما لي وللدنيا وما للدنيا وما لي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة، ثم راح وتركها».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نام على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول الله: لو اتخذنا لك؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها».
وأخرج الحاكم وصححه عن سهل رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فرأى شاة شائلة برجلها فقال «أترون هذه الشاة هينة على صاحبها؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها، ولو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضرَّ بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات والحاكم وصححه والبيهقي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور في جوها، فالله الله في اخوانكم من أهل القبور، فإن أعمالكم تعرض عليهم».
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبداً حماه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء».
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي حجيفة قال: أكلت لحماً كثيراً وثريداً، ثم جئت فقعدت قبال النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ، فقال: «اقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً في الآخرة».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، ولا تستخلقي ثوباً حتى ترقعيه، وإياك ومجالسة الأغنياء».
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن سعد بن طارق رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمت الدار الدنيا لمن تزوّد منها لآخرته حتى يرضي ربه، وبئست الدار لمن صدته عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه، وإذا قال العبد: قبَّح الله الدنيا. قالت الدنيا: قبح الله أعصانا لربه».
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ رجلاً فقال: ازهد الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس».
وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن وسننه، فإذا خرج من الدنيا فارق السجن والسنة».
وأخرج الحاكم والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن الأعمش عن أبي سفيان رضي الله عنه عن أشياخه قال: دخل سعد رضي الله عنه على سلمان يعوده، فبكى فقال سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض، وترد عليه الحوض، وتلقى أصحابك. قال: ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً. قال: «ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب» وحولي هذه الأساودة، وإنما حوله اجانة وجفنة ومطهرة.
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا، ليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم».
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً، ولا يزدادون من الله إلا بعداً».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سفيان قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري قال: لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح ذبابة ما سقى منها كافراً شربة ماء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن المستورد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ثم يرفعها فلينظر ثم يرجع».
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال: قلت يا أبا هريرة: سمعت اخواني بالبصرة يزعمون أنك تقول: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة؟ فقال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة، ثم تلا هذه الآية {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} فالدنيا ما مضى منها إلى ما بقي منها عند الله قليل، وقال: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} [ البقرة: 245] فكيف الكثير عند الله تعالى إذا كانت الدنيا ما مضى منها وما بقي عند الله قليل».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله: {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} كزاد الراعي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم قال: لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه، فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال: أمالي كثير ما أخلف من الدنيا إلا هذا؟ ثم ولى ظهره وبكى وقال: أف لك من دار إن كان كثيرك القليل، وإن كان قليلك الكثير، وإن كنا منك لفي غرور.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12